Thursday, 20 November 2025

العربي ... دجالاً ومشعوذاً (*)

ـــــــــــــــــ

مر معي اليوم خبر بيدعي أنه المخابرات الإسرائيلية أنشأت جامعة إسلامية في تل أبيب لتخريج العملاء والجواسيس وإرسالهم إلى الدول العربية بملابس دعاة ومشايخ إسلاميين! وتذكرت أنه أول ما دخل «الجولاني» ع الشام ، سمعنا هيك أخبار مجنونة! وتفاجأت أنه الإنترنت مليان هيك أخبار، حتى على لسان ناس «أكابرية» متعلمين، مش بس ناس عاديين!

تذكرت أنه «نزار» نشر من كم شهر (حوالي حزيران الماضي) على صفحته القديمة بوست إله علاقة بالموضوع، ومحفوظ عنا بالإرشيف، فقررت نشره مرة تانية هون مع شريطين فيديو لمحامي فلسطيني حامل القصة نفسها وداير فيها! 

(فيكتوريا)

ـــــــــــــــ

  لا أظن أنه يوجد دجال ومشعوذ يتفوق في مجال الدجل والشعوذة على العربي خصوصاً، والمشرقي عموماً. فممارسة الشعوذة والدجل جزء من تكوينهما الثقافي التاريخي العضوي. وهذا أحد أسباب الانحطاط التاريخي المزمن للعرب والمشرقيين .. باستثناء الفترات التي وضعوا فيها أديانهم وربهم جانباً وفعّلوا عقولهم. ولعل هذا ما يفسر أيضاً حقيقة أن جميع الأنبياء والرسل خرجوا من بيئتنا . فالنبي والرسول، أي نبي وأي رسول بالمطلق، هو بالتعريف الإكلينيكي العلمي الدقيق، شخص مريض يعاني مرضاً عصبياً عضوياً و/أو نفسياً يجعله يرى (أو بالأدق : يتوهم أنه يرى) أشياء لا وجود لها، ويسمع أصواتاً لا يسمعها أحد غيره، ويزعم أن بإمكانه فعل الخوارق التي تتحدى القوانين والنواميس الصارمة للطبيعة والفيزياء ..إلخ. فالنبي سليمان( وهو شخصية خرافية) كان يتحدث مع الحيوانات والطيور؛ وموسى (وهو شخصية خرافية أيضاً) زعم أن الله كلّمه من داخل العلّيقة المشتعلة(دغلة التوت البري: סנה / سْنِي) قبل أن يسلمه ألواح الشريعة ؛ و المسيح ( بافتراض وجوده تاريخياً، إذ كان لدينا مطلع القرن الميلادي الأول، في فلسطين والمناطق المجاورة، العديد من الأشخاص الذين ادّعى كل منهم أنه المسيح/ المشيحا الداؤودي المنتظر) كان يمشي على الماء ويصنع من الماء خمراً ويطعم خمسة آلاف رجل من بضعة أرغفة وبضع سمكات؛ و محمد كان يرى وهماً/ شبحاً/خيالاً اسمه جبريل ويصف حركته كما تصوّره كاميرا في فيلم هوليوودي ( ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ ، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ ،«سورة النجم 8 و 9»). ومن خلال البحث التاريخي العلمي الصارم، وإخضاع تفاصيل حيوات هؤلاء الأنبياء والرسل المزعومين للفحص كما تذكرها لنا كتبهم أنفسُها، نكتشف أنهم كانوا جميعاً يعانون أمراضاً عضوية / عصبية و /أو نفسية . فالشخص الوحيد المؤكد وجوده تاريخياً بينهم (محمد) كان مصاباً بداء الصرع Epilepsy ، كما تخبرنا «سيرة ابن هشام» نقلاً عن مرضعته ومربيته «حليمة السعدية»؛ أو كما نقول بالتعبير الشعبي في بلادنا ( كان بيوقع بالساعة). فقد كان يفقد الوعي لأوقات طويلة أو قصيرة، تتخللها نوبات شديدة من الارتعاش والتشنج العضلي في أطرافه، وتشوش/ زوغان في الرؤية ، وسماع أصوات غريبة تشبه طنين النحل داخل رأسه، فضلاً عن الصداع الشديد (الشقيقة)...إلخ. كما أنه كان يعاني رهاب الظواهر الطبيعية (الرعد، البرق، العواصف...إلخ ). وهذه كلها، أو معظمها، من عوارض الإصابة بالصرع كما يعرف أطباء الأمراض العصبية. وهذا ما دفع المجتمع المكي إلى وصفه بالساحر والمجنون، كما يخبرنا القرآن نفسه (التكوير:22 ؛ يونس:2؛ الأنبياء:3؛ الصافات:15 ... إلخ )، لأن ذلك المجتمع لم  كان قادراً على تشخيص حالته الصحية علمياً، ولا يستطيع التميز بين الأمراض العصبية والنفسية، كما في عصرنا اليوم .وبتعبير مكثف:«مجتمع الأنبياء هو مجتمع عصفورية» يشبه  مشفى للأمراض العقلية أو النفسية!

  يشترك المؤمن، أي مؤمن، مع الأنبياء في بعض هذه الأمور، دون أن يكون لديه بالضرورة قصة مرَضية عضوية. فالمؤمن هو شخص مريض يؤمن بالخرافات والأوهام والغيب. ولذلك فهو كذاب بالضرورة، إما دون قصد ، أو مع سابق إصرار وتصميم. وهذا أمر يختلف عن الشخص الطبيعي الذي يكذب لأسباب سياسية أو اجتماعية  مختلفة. ولعل ما يشترك فيه هؤلاء جميعاً هو الإيمان بمنطق المؤامرة ، الذي هو أحد أعراض «الإيمان بالغيب» والعجز عن تفسير الأحداث والظواهر وفق قواعد منطقية. ( طبعاً هذا لا ينفي وجود «مؤامرات». لكن هناك فرق هائل بين أن تؤمن بأن المؤامرات تحرك التاريخ، وبين أن تكون المؤامرة إحدى أدوات العمل التي تلجأ إليها - لأسباب سياسية- من أجل تسريع حركة تاريخية معينة صوب هدف معين ، كما تلجأ إلى ضرب حمار  حرون يغرز حوافره في الأرض ويرفض متابعة سيره!).


   أحد أشهر هؤلاء العرب المشعوذين على وسائل التواصل الاجتماعي، المشهورين بتلفيق الأساطير والخرافات ومنتجات العقل التآمري بأشكالها المختلفة، محامٍ فلسطيني من «فلسطين 1948» (إسرائيل)، يدعى «جريس بولس» (وهو ناصري بالمناسبة، وهذا ليس أمراً مفاجئاً، لأن المنطق التآمري أكثر انتشاراً في أوساط القوميين وأوساط المؤمنين،مسلمين ومسيحيين على السواء!).


   في الشريطين المرفقين اثنتان من شعوذاته التي يتشارك فيهما معه عرب كُثر، لأني سمعتهما من كثيرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي وحتى في بعض وسائل الإعلام التقليدي، وأعتقد أنه هو مصدرها كلها، إن لم يكن التقطها من مزبلة أخرى!؟

   في الشريط الأول يزعم أن هناك جامعة إسلامية في تل أبيب(تشرف عليها المخابرات الإسرائيلية طبعاً !!)، تقوم بتخريج دعاة يهود بصفة شيوخ مسلمين من أجل إرسالهم إلى العالم العربي والإندساس في بيئته بهدف بث وإثارة الفتن. وحين دخل السفاح الجاسوس «الجولاني» إلى دمشق، بل وقبل ذلك في الواقع،امتلأت صفحات الإنترنت بروايات من هذا النوع ، وتحولت إلى عصفورية حقيقية، خصوصاً حين جرى ترويج قصة أنه «يهودي مقنّع كما كوهين، ولا أصلَ سورياً له»! وهذا ليس أمراً مفاجئاً. فقد اخترع أجدادهم شخصية «عبد الله بن سبأ» من العدم، فضلاً عن شخصيات خرافية أخرى، فقط لكي يسندوا إليها أحاديث «البخاري» وقصص الفقهاء المعاتيه، و/أو لكي يفسروا وجود معارضة للخلفاء!

  غني عن البيان أن هذا كذب أحمق. فلا يوجد في تل أبيب جامعة إسلامية ولا بطيخ. كل ما هو موجود مجرد قسم للغة العربية والدراسات الإسلامية في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة تل أبيب. وهذا القسم يدرس فيه مسلمون ومسيحيون ويهود وملاحدة، من المدنيين والعسكريين على السواء. وإذا كان الإسرائيليون يحرصون على تعليم ضباط من جيشهم في هذا القسم، فلسبب أساسي هو أن لا يكون جيشُهم مؤلفاً من ضباط حمير وبغال كما ضباطنا الذين لا يعرفون حتى لغتهم العربية ولا أديانهم معرفة حقيقية! وفي جميع الأحوال، ليست إسرائيل بحاجة لتخريج ضباط وإلباسهم ملابس شيوخ وإرسالهم إلى مجتمعاتنا وبلادنا لبث الفتن فيها، كما يتوهم هذه المشعوذ الذي يتهيأ له أن بإمكانه المشي على الماء كما مسيحه! فالمجتمع الذي توجد فيه جامعة«أم القرى» وغيرها في السعودية و«الأزهر» في القاهرة و «النجف» في العراق، ويوجد فيه أشخاص مثل «جريس بولس»؛ والمجتمع الذي يقوم بتخريج آلاف مؤلفة من المعاتيه والمجرمين والمشعوذين الأوغاد، منذ «ابن تيمية» حتى الجاسوس «أبو محمد الجولاني» وقطعانه ، ليس بحاجة لا إلى إسرائيل ولا لجامعات في تل أبيب أو سواها؛ فهو يُفتَتن ويتفسخ من داخله بفعل قواه وعوامله الذاتية، وكفيل بتدمير نفسه بنفسه.   

  في الشريط الثاني يطلق« جريس بولس» كذبة أخطر وأكثر هبلاً وجنوناً من الأولى، على الأقل لأنه فلسطيني ويفترض به أنه يعرف اللغة العبرية المزعومة، وأنه قرأ «التوراة» و «التلمود» و «المشناه» و «الجمارا»... إلخ. ولو جاء هذا الإدعاء الأحمق من شخص غير فلسطينيّي العام 1948، لما تفاجأت به ، ولاعتبرته ناجماً عن جهل.

  يزعم في هذا الشريط أن أصل كلمة «صهيون» هو كلمة « صها» العربية التي تشير إلى صهوة الشيء، كالحصان وغيره.

طبعاً هذا هراء و ... خراء أيضاً!

   كلمة «صهيون»، بخلاف ما يزعمه هذا المشعوذ، عبرية، أو - وفق تصنيفي أنا - هي من قاموس المفردات الآرامية / البابلية/ الفلسطينية الوسطى، أو اللهجات الكنعانية، التي سرقها أو استعارها المؤمنون اليهود وادعوا أنها «عبرية»، لكتابة و قراءة كتبهم الدينية. وهي مختلفة تماماً عن اللغة المستخدمة اليوم في إسرائيل. وقد اقترحتُ منذ قرابة أربعين عاماً،حين تعلمت«العبرية الكتابية/الآرامية-البابلية الفلسطينية» واكتشفت الفرق الهائل بينها وبين «العبرية» المستخدمة في إسرائيل الحالية كلغة تعليم وصحافة وتخاطب يومي،أن نسمي هذه الأخيرة بــ «اللغة الإسرائيلية»، كما نقول لغة فرنسية وإنكليزية وإسبانية وإيطالية ...إلخ. فاللغة الإسرائيلية هي أشبه بـ «طبيخ القرباط» (مع الاعتذار من الأخوة القرباط، فكلنا قرباط في النهاية!)؛ إذ إنها جُمعت من مشارب شتى : التركية / الخزرية و الرومانية و الألمانية والفندالية (الإسبانية القديمة) والجرمانية القديمة، فضلاً عن بقايا من الآرامية الغربية الوسطى(التي يسمونها «عبرية»). وهذا الطبيخ القرباطي هو ما يسمى عادة بـ «اليديشية». ومن باب الطرائف أني حين كنت أدرس «العبرية الكتابية»، ورد معي أن أحد أهم فقهاء «العبرية» ، يهودا بن قريش יהודה אבן קריש ، الذي عاش في تونس والمغرب والقاهرة زمن الدولة الفاطمية أواخر القرن التاسع وبداية القرن العاشر، وحين كان يعمل على وضع أول «قاموس عبري»، غرف من اللغة الفندالية، التي كانت هي اللغة السائدة في أوساط يهود إسبانيا السفارديم، إلى جانب اللغة العربية، كل ما يستطيع من أفعال ثلاثية واشتقاقات. وحين نبهه أحد تلامذته أو مساعديه إلى ذلك، قال ما حرفيته « זה לא משנה! כל השפות קדושות» (لا يهم! كل اللغات مقدسة!). فقد كان من الأصوليين اليهود المؤمنين، كما المشعوذين المسلمين،بأن اللغة «مُعطىً إلهي»/منبثقة من الله(كما يزعم الهبل القرآني: «وعلّم آدم الأسماء كلها»/البقرة:31 !)، وليست مولوداً بشرياً ناجماً عن التطور الاجتماعي والثقافي للمجتمعات شبه الحيوانية خلال سيرورة تطورها البيولوجي والأنثروبولوجي نحو ما أصبح الجنس البشري!

وبالعودة إلى كلمة«صهيون»، نود أن نلفت انتباه هذا الجاهل وأمثاله إلى أن هذه الكلمة المؤلفة من مقطعين، والتي تُلفظ «تساه - يون  ציון»، تعني المنطقة الجافة، أو الصحراء أو الأرض القاحلة أو المحروقة أو الخَرِبة .. إلخ. وقد وردت بهذه المعاني كلها أكثر من مئة وخمسين مرة في مواضع عديدة من «العهد القديم» مثل «أشعيا 25:5»، و «أشعيا 32:2» و «صموئيل الثاني 7:5» وفي «المزامير»(المزمور 3:16). ووفقاً لـ«قاموس إليعازر بن يهودا» الذي نُشر للمرة الأولى في برلين مطع القرن العشرين، وهو قاموس تاريخي للغة «العبرية» على درجة كبيرة من الأهمية بالنسبة للباحثين والمؤرخين واليهود، بقومياتهم وأعراقهم المختلفة، كما قاموس «لسان العرب» عندنا، فإن أصل الكلمة هو الكلمة الآرامية «تسياه צִיָּה » التي تعني «الموت عطشاً بسبب الجفاف». وهذا هو الأقرب إلى المعاني المختلفة التي أراد الحاخامات (لاسيما عزرا الكاتب / النبي عُزير،بعد العودة من الأسر البابلي) الإشارة إليها حين استخدموا هذه الكلمة، في توصيفات واقعية وأخرى شعرية / غنوصية، خلال مراحل تأليفهم «التوراة» وباقي أسفار «العهد القديم».

No comments:

Post a Comment

Note: only a member of this blog may post a comment.