Sunday, 7 December 2025

من «حفل السفارة» في باريس إلى «طريق يعفور» (*)

قصة موت معلن وحكاية شبكة عملاء أخطبوطية ... لن يُعلن عنها أبداً!

(هذا ما تقوله وثائق النظام عن «لونا الشبل» و زوجها السابق «سامي كليب» وشريكهما «نضال السبع» بشأن الاشتباه بهم في سرقة وبيع وثائق ومعلومات رسمية لصالح جهات فرنسية وخليجية).

( ملاحظة: من أجل تصفح الصور والروابط الخارجية بطريقة أفضل، يرجى النقر عليها). 

ـــــــــــــــــــــــــــــ 

   بدأت القصة، كما يمكن الافتراض، في نيسان /أبريل 2003، حين جاء صحفيان إلى صالة الاحتفال بعيد الجلاء السوري (عيد الاستقلال) الذي نظمته السفارة السورية في باريس ودعت إليه بعضاً من أعضاء السلك الديبلوماسي و الجسم الصحفي و وجوه المجتمع المخملي الفرنسي، كما جرت العادة في كل عام.

   الصحفي الأول ، وهو لبناني كان يعمل آنذاك في قناة «الجزيرة» و مراسلاً لصحيفة «السفير» اللبنانية في باريس، يدعى سامي كليب ، وكان مدعواً إلى الحفل بشكل رسمي. أما الصحفي المرافق له فجاء بمعيته دون أن يكون مدعواً! وحين سُئل الأول عن زميله الذي حضر معه، وربما دون أن يسأله أحد، قدمه للسفيرة صبا ناصر وموظفي السفارة على أنه «صحفي بيلاروسي أو بولندي محب لسوريا»، كما تقول أوراق القضية (راجع جانباً برقية السفيرة  صبا ناصر إلى وزير الخارجية فاروق الشرع بتاريخ 7 / 5 / 2003)!


  لم يكن هذا الصحفي الطفيلي الذي جاء  دون دعوة سوى الدكتورجدعون كوتس גדעון קוץ، ضابط الاحتياط في جيش الاحتلال الإسرائيلي، ورئيس مكتب شبكة الإذاعة والتلفزيون الإسرائيلية في أوربا منذ أن سُرح من الجيش. أما المكتب المذكور فيقع مقره في باريس. ويبدو أن كوتس سيصبح بعد ذلك ضيفاً دائماً ليس على السفارة فقط، بل وحتى على القصر الجمهوري في دمشق أيضاً، كما سنرى!! ولم يكن هذا أمراً غير مألوف أو دون سوابق مزمنة، حتى في السلك الديبلوماسي لسلطة تدعي كذباً أنها دولة «مقاومة و ممانعة» وأن إسرائيل دولة معادية بالنسبة لها. فالسكرتيرة الثالثة في السفارة آنذاك، ناهد مصطفى طلاس، التي عُينت في هذا المنصب (بخلاف جميع زملائها) بموجب مرسوم جمهوري أصدره بشار الأسد في العام 2002، وليس بموجب قرار وزاري، وبالتالي لا يمكن عزلها سوى بمرسوم، كانت تعمل رسمياً مع «الموساد» (كما والدها وزير الدفاع، الذي أحضر عميلة الموساد  الأسكتلندية - الإسرائيلية ِ دايان سيدني Diane Sidney  إلى قلب مكتبه في دمشق ربيع العام 1982!). والغريب أن بشار الأسد أصرّ يومها على تعيينها في السلك الديبلوماسي بصفة «سكرتير ثالث» رغم مذكرتين تحذيريتين من نائب رئيس شعبة المخابرات العسكرية آنذاك، العميد آصف شوكت، و محمد سعيد بخيتان، رئيس مكتب الأمن القومي، اللذين نبّها بشار الأسد إلى أن رائحتها الموسادية تملأ سماء فرنسا وأوربا كلها، وأنها تترأس جمعية «هداسا فرانس» لجمع التبرعات لصالح مشفى «هداسا» الإسرائيلي في القدس المحتلة و «معهد وايزمان للبيولوجيا»، الذي يجري فيه تصنيع قسم كبير من السموم التي تستخدمها الموساد في الاغتيالات حول العالم (راجع هنــا ملف القضية الذي يتضمن تحقيقاً لجريدة «لوموند» الفرنسية  حول ناهد طلاس وجمعيتها الموسادية في العام 2006). وكان تبريره يومها هو أنها لن تعمل في الديبلوماسية، والأمر لمجرد مساعدتها على عدم دفع ضرائب للخزينة الفرنسية (الديبلوماسيون مُعفَون من دفع الضرائب)! لكن قرار تعيينها كان ينسجم تماماً مع  قوانين النظام غير المكتوبة، وهي أنه يمكن للسوري، حتى في أعلى المناصب الرسمية، أن يكون جاسوساً للموساد أو لأي جهة استخبارية دولية، وأن يرتكب أكبر الخيانات الوطنية، بشرط أن لا يخون النظام أو يعارضه! ومن المعلوم أن ناهد طلاس أصبحت تعمل منذ العام 2011، وحتى اليوم، إلى جانب الجاسوس الإسرائيلي كمال اللبواني، في مجلس إدارة جمعية «أماليا Amaliah»، ومساعدة لرئيس الجمعية المقدم الاحتياط في سلاح المظلات موتي / مردخاي كاهانا Mordechai "Moti" Kahana، ونائبه يوفال رابين، ابن رئيس الوزراء السابق إسحاق رابين. وكانت وزارة الدفاع الإسرائيلية أسست الجمعية المذكورة في العام 2011 لإرسال السلاح والمساعدات إلى المسلحين السوريين في الجنوب السوري وشمال الأردن! ومع ذلك لا تزال المذكورة، وفق آخر المعلومات، تتمتع حتى بالصفة الوظيفية نفسها وتحصل على رواتبها رغم أنها تجاوزت الثالثة والستين من عمرها وشاركت مع الموساد والمخابرات الفرنسية في تهريب شقيقها العميد مناف طلاس من سوريا في العام 2012  كما أصبح معلوماً!


  على أي حال، تسببت مشاركة جدعون كوتس في حفل السفارة السورية في باريس بخضة أمنية بقيت داخل أروقة النظام ولم تخرج إلى العلن، وقوبلت بغضب كبير من قبل بعض قادة أجهزته الأمنية والإدارية والسياسية. فهذا النظام، رغم كل ما يمكن أن يقال بشأنه، ورغم أنه لم يبق جهاز مخابرات في العالم إلا وبنى أعشاشه و وضع بيوضه في مفاصله كلها طوال نصف القرن الماضي، بقي فيه موظفون كبار، أمثال فاروق الشرع والراحل وليد المعلم، عُصاةً على الاختراق الأجنبي، كما ينبغي أن يقال.

  في بلد يحترم نفسه، يديره نظام يدّعي كذباً ودجلاً أنه «مقاوم ممانع» وأرضه محتلة و في حالة حرب مع إسرائيل، ومعروف بدمويته و وحشيته، كان يمكن أن تتسبب هذه القصة بسَوق رؤوس إلى المقصلة، وفي أضعف الأيمان إلى أقبية وسراديب لها مداخل وليس لها مخارج! لكن القصة  تحولت إلى فرصة لفتح نافذة جديدة يتنفس منها النظام الهواء الإسرائيلي المنعش، خصوصاً بعد العام 2005 حين تعرّض لبعض الحصار، وحين أصبح حمو الرئيس نفسه، الدكتور فواز الأخرس، ضابط الارتباط بين النظام وإسرائيل خلال حرب تموز 2006، من خلال الجمعية التي كان يترأسها في لندن ( جمعية الصداقة البريطانية - السورية)، كما كشف وزير الخارجية الراحل وليد المعلم في رسالة خاصة (سبق أن نشرتها قبل سنوات على صفحتي الثانية التي كانت باسم جورج فاضل متى).


  بعد واقعة السفارة بأربع سنوات (مطلع تموز/ يوليو 2007)، وبترتيب من سفير النظام في واشنطن آنذاك، عماد مصطفى، سيقوم رجل الموساد  والصديق المقرب جداً من بنيامين نتنياهو، والمسؤول عن ملف «تجفيف منابع تمويل إرهاب حماس و حزب الله»، ناتان جاكوبسون Nathan Jacobson ، بزيارة الأسد سراً في قصره مع مساعده رونين موشيه. لكنه لم يتردد في التقاط صور شخصية معه ونشرها على الإنترنت (غير المنشورة هنا) بعد أن أبرما تفاهماً لبيع عماد مغنية مقابل شطب النظام من لائحة الاتهام باغتيال الحريري. وفي العام التالي، 2008، ودائماً وفق وثائق النظام نفسها، سيقوم جدعون كوتس نفسه بزيارة ليس دمشق و«سوق الحميدية» فقط، بل القصر الجمهوري أيضاً، ويبث منه رسائل بالصوت والصورة إلى قنوات تلفزيون وإذاعات إسرائيلية ( كما يظهر في الشريط المنشور أدناه)! لكن، وبخلاف «حفل السفارة»، لم تكن زيارته هذه «بفضل خديعة أو عملية نصب واحتيال»على السفيرة لمياء شكور، كما حصل مع السفيرة السابقة صبا ناصر بمساعدة صديقه سامي كليب (حامل الدكتوراه من الجامعة اللبنانية في فكر بشار الأسد وفلسفة... رستم غزالي!)، بل بمعرفة رسمية مسبقة من قبل رأس النظام وحاشيته. ومع ذلك لم يكن كليب بعيداً عن هذه «المكلبة الاستخبارية السامية» في أي حال، على الأقل كما تقول الوثائق الرسمية التي سنأتي على إحداها أدناه. ففي آب/ أغسطس 2008 أرسلت وزارة الخارجية الفرنسية إلى السفارة السورية في باريس، كما يحصل تقليدياً في مثل هذه الأحوال، قائمة بالموظفين والصحفيين الفرنسيين والأجانب المعتمدين في باريس، الذين سيرافقون الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في زيارته إلى دمشق مطلع الشهر التالي (سبتمبر)، من أجل استخراج تأشيرات لهم، واتخاذ الترتيبات البروتوكولية المتعارف عليها. لكن الملحق العسكري في السفارة آنذاك، المقدم المهندس محمد العبد الله، وبسبب قصة «حفل السفارة» المشار إليها أعلاه، استرعى انتباهه أن اسم جدعون كوتس مدرج في قائم أسماء الصحفيين الذين سيرافقون الرئيس الفرنسي!! (1).


  يبدو أن الملحق العسكري، وكما يُستشف من برقيته المنشورة جانباً، كان على خلاف مع رئيس شعبة المخابرات العسكرية آنذاك اللواء آصف شوكت، ولهذا قرر مخاطبة «رئيس مكتب الأمن القومي» (هشام الاختيار) مباشرة، بخلاف القواعد الإدارية المعمول بها، كما يقول. وفي برقيته التي تحمل تاريخ 15 / 8 / 2008 ، يشرح له القصة التي يمكن أن تتحول إلى فضيحة، ويذكّره بقصة هذا الصحفي الإسرائيلي جدعون كوتس وقصة زميله سامي كليب في حفل السفارة قبل خمس سنوات على ذلك، ويرجوه أن يتخذ ما يراه مناسباً من تدابير عاجلة قبل وقوع الفاس في الراس. وقد أشار الملحق العسكري في برقيته إلى أن سامي كليب يسعى لترتيب زيارة لصديقه الإسرائيلي جدعون كوتس إلى طهران، و«يساعده على التواصل مع معارضين سوريين مقيمين في فرنسا، والتعرف على طلاب سوريين موفدين إلى جامعاتها لصالح مركز البحوث العلمية التابع لوزارة الدفاع، رغم أن عملهم مع مركز البحوث يعتبر سراً عسكرياً»!

  لا نعرف ما الذي جرى بعد ذلك وما الذي فعله هشام الاختيار بشأن تقرير «الملحق العسكري». لكن ما نعرفه هو أن جدعون كوتس دخل دمشق فاتحاً، وتحول فيها إلى ابن بطوطة يبث التقارير بالصوت والصورة إلى الإذاعات والقنوات الإسرائيلية، ليس فقط من «سوق الحميدية» ومحلات «بوظة بكداش» في قلب دمشق، بل حتى من داخل القصر الجمهوري نفسه (الشريط المرفق أدناه). وهذا يعني أن جهود هشام الاختيار لدى القصر لم تفلح (يُفهم من الحاشية التي كتبها بيده في أعلى ويسار برقية الملحق العسكري أنه تدخّل مباشرة لدى بشار الأسد للحيلولة دون حصول فضيحة)! وتشير معلومات موثقة جيداً إلى أن جدعون كوتس حظي باستقبال خاص على انفراد من قبل بشار الأسد لمدة ربع ساعة لا يُعرف ما الذي حصل خلالها. هذا ولو أن الصحفيين الشهيرين سيمور هيرش Seymour Hersh ، الذي كنت أتعاون معه يومها في بعض الموضوعات التي تخص سوريا، وزميله الأميركي- البلجيكي أرنو دو بورشغريف Arnaud de Borchgrave ، الذي كان أول صحفي غربي يجري لقاء مع حافظ الأسد بعد حرب أكتوبر 1973، أبلغاني خطياً ، نقلاً عن زميلهما جدعون كوتس، حول ما جرى في لقاء ربع الساعة. وبحسب الشهادتين، فإن «جدعون كوتس نقل رسالة شفهية من بشار الأسد إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت تعبر عن استعداد سوريا لاستئناف المفاوضات غير المباشرة، التي كانت توقفت مطلع حرب إسرائيل على لبنان في تموز/ يوليو 2006 ، دون شروط مسبقة، ودون التمسك بـ/وديعة رابين/ ، كما كان يحصل سابقاً»!؟

   في تلك الفترة تماماً ، العام 2008، حصل الزواج المعروف بين الصحفي اللبناني كليب و مذيعة «الجزيرة» الصحفية لونا الشبل (التي ستعرف لاحقاً - من باب السخرية - باسم الشيف «مدام ناش كري» ، بعد أن افتتحت مطعماً للوجبات الروسية بهذا الاسم في قلب دمشق !!). ورغم أن السيدة المذكورة كانت زميلة له في العمل في القناة نفسها، وتنحدر من الطائفة التي ينحدر منها، وبالتالي هناك ظروف أكثر من مواتية لتعارفهما، إلا أن حيزبون القصر الجمهوري بثينة شعبان لعبت دوراً أساسياً في تعارفهما وتقاربهما وتدبير زواجهما، كما يقول صديقه الصحفي في جريدة «السفير» (م. ب.)، المقرب جداً هو أيضاً من النظام، وصاحب التقرير المفبرك الشهير الذي نشرته «السفير» في 14 مارس 2015 بتكليف من بثينة شعبان عن أن تفجير «مكتب الأمن القومي» في العام  2012 «وقفت وراءه وكالة المخابرات المركزية»، كما زعم في التقرير! وكان هذا التكليف رداً على تحقيق موثق كنت نشرته أنا قبل ذلك ،وأثبتُ فيه بوثائق رسمية سورية، وأخرى روسية، أن التفجير المذكور وقف وراءه ماهر الأسد و مدير إدارة المخابرات العامة آنذاك علي مملوك (2). (اللافت أن «السفير»، ورغم أنها وضعت أرشيفها أونلاين، إلا أن التقرير المذكور جرت إزالته وحده من بين كل ما نشرته الصحيفة من تقارير ومقالات حول التفجير، على الأقل من النسخة الإلكترونية المتاحة لزوار الموقع!!).

   في أي حال، وأياً يكن دور حيزبون القصر في تدبير هذا الزواج أو التشجيع عليه، وبغض النظر عن دقة أو صحة الرواية، فإن ما سيحصل بعد ذلك يوحي ( وفق وثائق النظام نفسها) بأن الزواج كان «مهمة أمنية إقليمية/ دولية»! ففي مذكرة رفعها رئيس مكتب الأمن القومي هشام الاختيار إلى بشار الأسد بتاريخ 17 أيار/ مايو 2012، أي قبيل مقتله في تفجير «مكتب الأمن القومي» بحوالي شهرين، نقرأ عن توفر معلومات جدية خطيرة للأجهزة الأمنية (المخابرات العسكرية والمخابرات العامة) تشير إلى تسريب معلومات و وثائق ورقية وإلكترونية من رئاسة الجمهورية إلى جهات عربية وأجنبية. وهي تتعلق بقضايا حساسة ، سياسية ومالية وعسكرية، تتصل بعلاقة سوريا مع دول وجهات صديقة مثل روسيا وإيران والجزائر وروسيا و روسيا البيضاء/ بيلاروسيا وبعض فصائل المقاومة الفلسطينية، فضلاً عن حزب الله. وتشير المذكرة إلى أن المعلومات والوثائق المسربة وجدت طريقها، عبر الصحفي سامي كليب، إلى جهات فرنسية رسمية، لاسيما «خلية الأزمة / تاسك فورس»التي شكلتها وزارة الخارجية الفرنسية من ديبلوماسيين وضباط مخابرت لمتابعة الأحداث الأمنية والسياسية في القطر. كما وتشير المذكرة إلى أن «الصحفي سامي كليب يعمل مع المخابرات الفرنسية منذ سنوات طويلة»، وإلى أن المخابرات الفرنسية «سبق لها أن كلفته بمهمات في لبنان ودول عربية أخرى»! وبحسب تقرير رئيس مكتب الأمن القومي نفسه، فإن المعلومات والوثائق المسربة وجدت طريقها أيضاً إلى جهات خليجية (الإمارات العربية والسعودية وقطر) فضلاً عن السلطة الفلسطينية! ورغم أن التقرير لا يتهم لونا الشبل مباشرة بالوقوف وراء تسريب المعلومات والوثائق، إلا أنه يتحدث عن «شكوك تدور حولها» بالذات، نظراً لارتباط عملية التسريب بزوجها سامي كليب! هذا فضلاً عن أن التقرير يقترح على رئاسة الجمهورية اتخاذ تدابير أمنية احترازية عاجلة بحقها وحق زوجها، من قبيل وضعها و وضع اتصالاتها الهاتفية تحت المراقبة، وتفتيش منزلها والحواسيب والأجهزة الخليوية التي تستخدمها، و منع وصولها إلى الوثائق والملفات الورقية والإلكترونية، ومنع زوجها من دخول الأماكن الرسمية ...إلخ. لكن، وكما يبدو، فإن علاقتها الغريبة والفريدة مع بشار الأسد، والتي لا تشبه أي علاقة بين أي موظفة في أي قصر رئاسي في العالم مع رئيس الدولة، حمتها - وإن مؤقتاً- من تحقيقات هشام الاختيار، فضلاً عن أن هذا الأخير سرعان ما جرى تحويله إلى أشلاء في تفجير مكتب الأمن القومي بعد ذلك بشهرين فقط!!!؟

   على أي حال، ليس معلوماً ما إذا كان بشار الأسد أخذ بعين الاعتبار تقرير هشام الاختيار، الذي قتله ماهر الأسد و علي مملوك بعد ذلك بشهرين في تفجير مكتب الأمن القومي مع وزير الدفاع داود راجحة ونائبه آصف شوكت وآخرين، بعد انكشاف تنسيقهم مع رئيس رئيس الأركان الروسي المارشال نيكولاي ماكاروف Никола́й  Мака́ров ورئيس مخابراته العسكرية الفريق ألكسندر شلياختوروف  Алекса́ндр  Шляхту́ров (راجع الهامش 3 أدناه حول القضية). إلا أنه من الملاحظ أن الطلاق بين لونا الشبل وزوجها الأول (كليب) حصل بعد بضعة أشهر على التقرير، دون أن يكون معلوماً ما إذا كان هناك رابط سببي بين الأمرين. لكن بعض المعلومات  تفيد بأن الطلاق حصل كما يبدو بـ «أوامر رسمية» سورية من إحدى الجهات النافذة، وكان ذا صلة بطريقة أو بأخرى بتقريرهشام الأختيار. غير أن هذا لم يمنع النظام من تكليف سامي كليب لاحقاً بتأليف كتابه البروباجندي التافه («الأسد بين الرحيل والتدمير الممنهج») ومن أن يدفع له (عن طريق رامي مخلوف) ثمانين ألف دولار لقاء ذلك، وفق ما زعمته بثينة شعبان لـلصحفي غسان بن جدو أواخر العام 2019 ، الأمر الذي كشفه بن جدو في رسالة بـالبريد الإلكتروني إلى أحد أصدقائه (4). وكان كليب خلال تلك الفترة يدخل إلى القصر الجمهوري «دون أي تفتيش، بسبب ثقة النظام به»، كما اعترف في أحد لقاءاته الصحفية مؤخراً!    


   اللافت أن تقريراً آخر مطولاً ( 3 صفحات) صادراً  عن «مكتب الأمن القومي» إلى رئاسة الجمهورية ويحمل تاريخ 20  أيار / مايو 2012، أي بعد ثلاثة أيام فقط من التقرير المشار إليه أعلاه، يتحدث عن علاقة الفلسطيني / اللبناني نضال السبع بـما يسميه «شبكة سامي كليب ولونا الشبل»، وارتباطها بمدير المخابرات العامة آنذاك ، علي مملوك. كما يتحدث التقرير عن علاقة السبع بالمخابرات الإماراتية وحصوله على وثائق سورية لصالح السفير الإماراتي في بيروت آنذاك، يوسف العصيمي،وعلاقته بالجاسوس محمد دحلان وبمهمات كلفه بها مملوك، وبلقاءات أجراها مع شخص أجنبي في «فندق  الحبتور/هيلتون غراند» في بيروت بحضور كريم بقرادوني، يُعتقد أنه ضابط المخابرات الإسرائيلية من أصل لبناني جاك نيريا، وبأنه سرب له معلومات و وثائق عن «مركز البحوث العلمية» السورية وبرنامج الأسلحة الكيميائية ....إلخ . ويطلب التقرير ، الذي أرسل لي الوزير الراحل وليد المعلم صورة عنه، رفع الغطاء الأمني عن نضال السبع ، الذي يوفره له مملوك،من أجل اعتقاله. كما يطلب من بشار الأسد، بصفته الأمين القطري للحزب ورئيس الجمهورية، إحالة مملوك إلى محكمة حزبية، تمهيداً لتجريده من مهماته ..إلخ ( ستكون لي عودة إلى هذا التقرير بشكل مستقل في وقت آخر، نظراً لخطورته وكمية المعلومات التي يتضمنها، علماً بأني كنت نشرت بعض مضامينه في موقعنا Syriatruth  صيف العام 2012، لكني لم أنشر صورة عن التقرير خشية أن يتمكنوا من اكتشاف مرسله الحقيقي، نظراً لأن رقم الفاكس المرسل منه يخص وزارة الخارجية، وأي عملية تعمية للرقم قد لا تكون مفيدة في هكذا أحوال).

   في أي حال،ليست قصة لونا الشبل هي الأولى في تاريخ الاختراقات الصهيونية والإسرائيلية، والأجنبية الأخرى،للدولة السورية على مدى مئة عام، ولا لاختراقات «الموساد» و وكالة المخابرات المركزية حتى للقصر الرئاسي السوري نفسه، ولن تكون الأخيرة. ذلك رغم أن ذاكرة السوريين الأميين وأشباه الأميين، الجهلة بتاريخهم، لا تعرف سوى قصة كوهين التافهة. فقبل بضع سنوات وحسب، كما أصبح معلوماً، كان مدير المكتب العسكري الخاص بـ بشار الأسد  وممثله في «مجلس إدارة مركز البحوث العلمية»، العميد الجاسوس محمد سليمان، وراء اختراقات إسرائيلية - فرنسية لا تحصل إلا في أفلام هوليوود، الأمر الذي استحق عليه عقوبة الإعدام على يد «حزب الله». وقبلها أقدم رئيس فرع التحقيق في المخابرات الجوية، علي مملوك ( ما غيره !!)، على تهريب طيار سوري (علي أحمد صقر) بطائرته «ميغ23» إلى إسرائيل، ليدعي النظام لاحقاً أنه بسام العدل (الذي كان قتله مملوك وأخفى جثته بسبب خلاف على أموال وقصص تتعلق بوكر الدعارة الذي كانا يديرانه في «حي المزرعة» بدمشق)، قبل أن يَعتقل ويصفي بطل الجمهورية العميد عصام غالب أبو عجيب الذي فضح القصة في اجتماع عسكري رسمي لقيادة «الفرقة24» في الدفاع الجوي بعد أن منعوه من إسقاط الطائرة الهاربة(5)!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*)ـ محتوى هذا البوست والوثائق المرفقة، مقتطفان من صفحات وفصول مختلفة، ومن ملحق الوثائق، في مخطوطة كتاب :« نزار نيوف: دمشق الصهيونية 1920-2020 ،الاختراق الصهيوني والإسرائيلي للدولة السورية خلال مئة عام » كما أوردته الوثائق الرسمية السورية والإسرائيلية والغربية، الذي عملتُ عليه طوال ربع قرن، ولا أزال أسد فجواته بالمزيد من الوثائق  الإسرائيلية(من أراشيف الوكالة اليهودية قبل قيام دولة إسرائيل) ومن أراشيف ومصادر غربية أخرى لاحقة. وكنت نشرت يوم مقتل لونا الشبل بعض محتوياته (البوست أعلاه) على صفحتي التي حملت اسم جورج فاضل متى إلى أن جرى إغلاقها الصيف الماضي في التوقيت نفسه مع صفحتي الأصلية التي كانت تحمل اسمي الصريح، بطلب من المافيوزي المجرم خالد الأحمد، الذي يعمل الآن كندرة في قدم الإرهابي الجولاني، كما كان يعمل سكربينة في قدم لونا الشبل حتى اختلافهما على المسروقات في العام 2018، يوم كان يتجسس لصالح معلمه الصحفي الأميركي – الإسرائيلي ورجل الموساد الشهير نير روزن.

(1) ـ بعد هذه الواقعة مباشرة أعيد المقدم المهندس محمد العبد الله إلى سوريا قبل انتهاء إيفاده، وجرى نقله من وزارة الخارجية و وزارة الدفاع  إلى وزارة الداخلية وتعيينه رئيساً لفرع الأمن السياسي في حمص، قبل أن يجري اغتياله في أيار / مايو 2011 قرب مدينة تلكلخ بريف حمص الغربي. ورغم أن النظام اتهم عصابات الثورة الوهابية -الإسرائيلية بالوقوف وراء عملية الاغتيال، إلا أنه لا يوجد دليل قطعي على ذلك. وعلى العكس، هناك معطيات قوية ترقى إلى قوة الوثائق عن أنه اغتيل من قبل جهة رسمية (الحرس الجمهوري و/أو المخابرات الجوية). ومن المعلوم أن النظام استغل أجواء ومناخات الفوضى الأمنية والانتفاضة الشعبية، قبل أن تتحول إلى ثورة جواسيس، للتخلص من العديد من الضباط والمسؤولين ، كما سيحصل في تموز / يوليو من العام التالي حين أقدم ماهر الأسد، من خلال عميله حسن حموي، على إدخال متفجرات إلى «مكتب الأمن القومي» وتصفية وزير الدفاع داود راجحة و آصف شوكت و رئيس مكتب الأمن القومي هشام الاختيار، والعماد حسن تركماني، معاون نائب رئيس الجمهورية فاروق الشرع ...إلخ.

(2) ـ في كتاب «عشرة أيام هزت بلاد الشام ... نظام الأسد قياماً وركاماً»، الذي انتهى منه نزار في آذار / مارس الماضي، تفاصيل و وثائق كافية عن قصة تفجير «مكتب الأمن القومي» وأسبابها، بما في ذلك ارتباطها بجريمة اختطاف وإخفاء و «تصفية» القائد الشيوعي الدكتور عبد العزيز الخير، واستقالة رئيس الاستخبارات العسكرية الروسية الكسندر شلياختوروف Александр Шляхтуров واعتقال فاروق الشرع يوم 19 كانون الأول / ديسمبر 2011 في مطار دمشق الدولي من قبل ماهر الأسد و جميل حسن بينما كان في طريقه إلى موسكو ( ملاحظة مني أنا فيكتوريا. انظر أيضاً الهامش التالي رقم3 حول القضية).

(3) ـ كان الماريشال ماكاروف،ومدير مخابراته العسكرية الجنرال شلياختوروف، وضعا خطة صيف العام 2011 لتجنيب سوريا الذهاب إلى المجهول، من خلال إطاحة الأسد وعائلته وعصابته ومافياته، وتشكيل «مجلس انتقالي» برئاسة فاروق الشرع وعضوية راجحة و شوكت وآخرين (بالإضافة إلى الدكتور عبد العزيز الخير والدكتور عارف دليلة و هيثم مناع/ العودات وآخرين عن المعارضة اليسارية والوطنية التي تشكل «هيئة التنسيق الوطني» و/أو لها التوجهات السياسية نفسها). لكن عصابة الكريملن الصهيونية، المتحالفة مع إسرائيل، وشت منذ أواخر العام 2011 لـ"بشار الأسد" بهذه الخطة، ما أدى إلى وضْع الشرع قيد الإقامة الجبرية في منزله حتى اليوم بعد إعادته مخفوراً من مطار دمشق في 19 كانون لأول / ديسمبر 2011، حين كان متوجهاً إلى موسكو بدعوة رسمية، وإلى تصفية الباقين جسدياً خلال بضعة أشهر(باستثناء مناع ودليلة وآخرين نفذوا بريشهم بسبب وجودهم في الخارج!). وهذا ما دفع رئيس الاستخبارات العسكرية شلياختوروف إلى الاستقالة من منصبه في اليوم التالي لاعتقال الشرع، احتجاجاً على ما جرى، بينما أقدم كبير حاخامات الكريملن، فلاديمير بوتين، على إقالة رئيس الأركان ماكاروف بعد بضعة أشهر حين اكتشف أنه هو عرّاب خطة التخلص من الأسد لصالح «مجلس انتقالي» ، ولأنه «فكّر بمنطق شيوعي عفا عليه الزمن، وسعى إلى تدبير انقلاب في دولة صديقة»، وفق اتهام بوتين له! (شهادة من الملحق العسكري الروسي في لندن آنذاك ، الكولونيل الجوي ميخائيل كليموك  Михаил Климук).

(4) ـ في ملحق الوثائق في الكتاب يوجد صورة عن رسالة بن جدو حول تمويل كتاب سامي كليب ، نقلاً عن بثينة شعبان، وإفادة خطية أخرى من الوزير وليد المعلم.

(5) ـ بشأن القصة الحقيقية للطيار الهارب علي أحمد صقر، المزعوم أنه بسام العدل، راجع كتاب «فيكتور إسرائيليان: داخل الكريملن خلال حرب أكتوبر وما بعدها...»، الجزء الأول، الصفحات 54، 252، 285. وتستند القصة إلى الإفادات التي أدلى بها محمد الخولي ورسميون آخرون لسفير ألمانيا الديمقراطية ومحطة استخباراتها في دمشق آنذاك.


No comments:

Post a Comment

Note: only a member of this blog may post a comment.