باعتراف «حافظ الأسد» : خسائرنا ستة آلاف شهيد وليس ثلاثة آلاف فقط
لتصفح الروابط والصور بشكل سليم وبالحجم الحقيقي، يرجى النقر عليها. (فيكتوريا)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كلما أحبَّ أحد الحديث عن حرب تشرين / أكتوبر 1973، يردد رقماً يقول إن ثلاثة آلاف سوري استشهدوا في الحرب، كما فعل «حسام جزماتي» في موقع «الجمهورية»اليوم. وهذا الرقم تردده وسائل الإعلام الغربية أيضاً،وتعتمده النسخة الإنكليزية من موقع «ويكيبيديا» (ومعها النسخة الألمانية والفرنسية ..إلخ). وهذه النسخ هي الأقرب إلى الرصانة والدقة والاحترافية. ومع ذلك، لا يوجد أستاذ جامعي واحد في أي جامعة غربية رصينة يقبل من أحد طلابه أن يستخدم أياً منها كمرجع أو مصدر معلومات! وأما النسخة العربية من «ويكيبيديا»، فحدث ولا حرج! فهي في معظمها مجرد كومة نفايات، ولا يمكن الوثوق بأكثر من 5% مما يرد فيها،نظراً لأن من يحررها هم في معظمهم عبارة عن أرطة مشعوذين، وفي أفضل الأحوال مجموعة هواة عرب، كل منهم يدخل ويكتب في الموقع على هواه، وحسب ما يوحي له هبله!
حين كنت أحرر وأترجم كتاب «داخل الكريملن خلال حرب أكتوبر» ، اضطررت - كما سبق وذكرت- إلى التعامل مع أكثر من ثلاثين ألف صفحة من الوثائق والمذكرات والتقارير والكتب المتعلقة بالحرب ، ومن بينها طبعاً سجلات عدد من الإدارات التابعة لوزارة الدفاع السورية(«مكتب أُسَر الشهداء»،«إدارة السجلات العسكرية»،«شعبةالتنظيم والإدارة»،«إدارة شؤون الضباط»،«فرع الشرطة العسكرية»، «إدارة الخدمات الطبية العسكرية» ...إلخ). وكانت كلها معنية بأمر الشهداء والجرحى والمفقودين، كل من زاوية اختصاصها. وبالطبع لم يكن بإمكاني الوصول إلى سجلات هذه الإدارات، وأنا خارج سوريا، دون مساعدة ضباط أصدقاء كانوا يعملون فيها.
على أي حال، من بين الوثائق التي راجعتها آنذاك، مقابلة أجراها«حافظ الأسد» مع صاحب «دار الصياد» اللبنانية «سعيد فريحة»، رئيس تحرير المجلة الأسبوعية التي كانت إحدى أشهر الأسبوعيات العربية وتحمل اسم الدار نفسها.
في هذا المقابلة، التي نشرت بتاريخ 6 آذار/ مارس 1974، يعترف «الأسد» بأن خسائر سوريا بلغت في الحرب «ستة آلاف شهيد» و 1200 دبابة. لكنه لم يذكر خسائرنا من الجرحى ، الذين بلغ عددهم قرابة ثلاثين ألفاً وفق التدقيقات التي أجريتها وقاطعتها فيما بين أرقام الجرحى الوارد ذكرهم في سجلات الإدارات العسكرية المذكورة أعلاه، وبالتحديد ( 28 ألفاً و657 جريحاً). علماً بأن هذه الأرقام تتعلق فقط بالحرب (من الساعة 14 يوم 6 تشرين الأول / أكتوبر إلى الساعة 7 صباح يوم 24 منه، بتوقيت الشرق الأوسط، وهو توقيت دخول قرارمجلس الأمن رقم 338 ، القاضي بوقف إطلاق النار في المكان، حيز التنفيذ، والذي كان صدر بُعيد منتصف الليل بتوقيت نيويورك). وهي لا تشمل خسائرنا في «حرب الاستنزاف» التي أمر «حافظ الأسد» بإطلاقها بعد خمسة أشهر على ذلك(في آذار/مارس 1974، بعد تاريخ إجراء مقابلته مع «الصياد»). وقد لجأ «الأسد» يومها إلى ذلك كشكل من أشكال «التفاوض بالنار» حين لاحظ أن «كيسنجر»،الذي بدأ جولاته المكوكية في المنطقة نهاية العام 1973،كرّس معظم اهتمامه وجهوده لـ«الجبهة المصرية»،وتمكن من إبرام«اتفاقية فض الاشتباك» الأولى على الجبهة المصرية-الإسرائيلية في 18كانون الثاني/يناير1974،ومن رفْع الحصار الإسرائيلي عن«الجيش الثالث» المصري الذي امتد لأكثر من ثلاثة أشهر، بينما أهمل الجبهة السورية بشكل كامل تقريباً، وهو ما أقلق «الأسد» وأغضبه. وكان من دوافع «الأسد» في إطلاق «حرب الاستنزاف» أيضاً هو فشل الوسيط السري السوري-السويسري،عميل وكالة المخابرات الأميركية العتيق منذ الستينيات،«عاطف دانيال» (ابن أخت «ميشيل عفلق»)، في إحداث أي خرق مهم لترتيب اتفاقية مشابهة لـ«فصل القوات» على الجبهة السورية. وكان «دانيال»، الذي ارتبط بالـCIA منذ الستينيات وأشرف (مع عملاء آخرين مثل «نادر الأتاسي» و«فرحان الأتاسي») على عقد وتمويل المؤتمر القومي الخامس لحزب البعث في حمص (أيار/ مايو 1962)، دخل على خط التوسط لإبرام اتفاقية «فصل قوات» على الجبهة السورية أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر 1973، وفق وثائق أرشيف «المخابرات الخارجية» في ألمانيا الديمقراطية التي وضعها رئيسها «ماركوس فولف» بتصرفي اعتباراً من العام 2002 لتحرير مذكراته العربية.
كما أن خسائرنا ، التي تحدث عنها «الأسد» في المقابلة، لا تشمل بالطبع المفقودين في تلك الحرب والحروب السابقة، الذين كلفتني قضيتُهم قرابة ثلاث سنوات من البحث والتحقيق السري، بمساعدة الصديقة والرفيقة «الإسرائيلية» الراحلة،المحامية الشجاعة «فيليسيا لانغر»، عضو«المكتب السياسي في الحزب الشيوعي الإسرائيلي»آنذاك، والتي كانت هذه القضية أحد أسباب هربها من إسرائيل في العام 1990إلى ألمانيا (الغربية آنذاك) وتخليها عن جنسيتها الإسرائيلية،بعد تسريب معلومات من أحد أجهزة المخابرات السورية إلى الاستخبارات الإسرائيلية عن مساعدتها لي في جمع المعلومات عن قضية المفقودين وتصفيتهم ( مع أسرى عرب آخرين) في معسكر سري داخل فلسطين المحتلة (المعسكر 1391)! (سأحاول في أقرب وقت، وللمرة الأولى، نشر ملف هذه القضية،بما يتضمنه من وثائق أرشيف المخابرات العسكرية ومكتب الأمن القومي والمخابرات العامة والمخابرات الجوية، ومراسلات «فيليسيا» معي عبر مكتبَي «الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين» في دمشق و نيقوسيا خلال الفترة: من بداية صيف 1988 إلى خريف العام 1991).
بالمناسبة : يعترف «الأسد» أيضاً في هذه المقابلة أن الحرب، وبخلاف الأكذوبة العربية الشهيرة، «لم تكن مفاجَأة» بالنسبة لإسرائيل. لكنه لم يشرح لنا ذلك بالطبع، بسبب حساسية الأمر، سوى بعبارات فضفاضة، ولم يذكر كيف أن إسرائيل كانت تعلم بأمر الحرب منذ 25 أيلول/سبتمبر 1973 على الأقل، بفضل الاختراقات المذهلة التي حققتها «الموساد» في أعلى هرم قيادة الجيش السوري بفضل جهود «فرعها الأردني» (المخابرات الأردنية ورئيسها القذر«طارق علاء الدين طوبال» ومعلمه الجاسوس «الملك حسين»)، وعلى الجبهة المصرية بفضل الجاسوس الشهير، الدكتور« أشرف مروان». وملفات هذه القضايا مُعالجة في الجزء الأول من كتاب «داخل الكريملن...» المشار إليه، وفي «الجزء الثاني» الذي لم يصدر).
ـ مشفى كرومويل / لندن ـ 14 أكتوبر 2025
No comments:
Post a Comment
Note: only a member of this blog may post a comment.